محمد الأخضر حمينة تحت القشابية: العالمي

فيصل صاحبي
عندما اتصل بي الصديق حميدة عياشي ليطلب مني كتابة ورقة عن محمد لخضر حمينة، كنت في طريقي إلى حفل تدشين المعهد العالي الجديد للسينما بالقليعة قُرب العاصمة الذي سُمّي على اسم المخرج الكبير. كانت المفارقة أنني بدأت كتابة هذا المقال في ذهني بينما كنت أتجه نحو مكان بات يحمل اسمه. هناك شيء مميز في تكريم مخرج لا يزال على قيد الحياة، وكأن أعماله واسمه يترسخان بشكل أعمق في استمرارية تاريخنا السينمائي
في طريقي، تذكرت جملة من ميغيل تورغا: “العالمي هو المحلي بدون جدران”، وهو اقتباس كان قد شاركه معي أستاذي الراحل الحاج ملياني، الذي تشرفت بالعمل معه عندما كان رئيساً لمهرجان الفيلم العربي. هذه العبارة تصف بدقة أعمال لخضر حمينة. فهوابن منطقة الحضنة، ، شاهدنا كلنا لحظة صعود إلى خشبة مهرجان كان في عام 1975 مرتدياً قشابية مصنوعة من وبر الجمل لتسلم السعفة الذهبية، الجائزة التي لم يحصل عليها أي مخرج أفريقي آخر. عبر أفلامه، استطاع أن يلتقط جوهر الجزائر العميقة ويحوله إلى قصة عالمية تمس قلوب الجماهير الدولية.
لطالما أذهلتني صورة الأخضر حمينة مرتدياً قشابيته. هذا الفعل البسيط والرمزي يلخص جوهر سينماه: الجذور العميقة في المحلي، في الأراضي القاحلة والمعاناة الإنسانية، التي يتم ترفيعها لتلمس العالمي. فيلمه الاشهر “وقائع سنين الجمر” هو المثال المثالي لهذه الجدلية. عبر مصائر شخصيات مجهولة، يروي قصة أمّة، وكذلك قصة كل إنسان يكافح من أجل حريته. حمينة لا يكتفي بتصوير مقاومة الشعب الجزائري، بل يعيشها من خلال شخصياته ويجعلنا نشعر بالعاطفة الخام لهذه الصراعات الداخلية.
الصحراء التي تتكرر في أفلامه، ليست مجرد ديكور. إنها شخصية بحد ذاتها. أفلامه مثل “ريح الرمال” تستخدم المساحات الصحراوية الشاسعة لتمثل المقاومة، ضخامة الصراعات، وكذلك عزلة الشخصيات أمام مصيرها. هذه المناظر الطبيعية، الواسعة والصامتة، تعكس الحالة الإنسانية. تصبح الصحراء مسرحاً للدراما الشخصية والجماعية، ملتقطة عظمة الإنسان وهشاشته في آن واحد.
في شهر ماي الماضي، خلال اجتماع في مهرجان كان، كنا نناقش احتمال إقامة جناح جزائري في 2025، وهو العام الذي سيتزامن مع الذكرى الخمسين لفوز لخضر حمينة بالسعفة الذهبية. سألتني المديرة التجارية للمهرجان: “من هو المخرج الجزائري التالي الذي سيحصل على سعفة ذهبية؟” لم أجب مباشرة وتوقفت للتفكير. ترك حمينة إرثاً ضخماً، يكاد يكون ثقيلاً على الأجيال القادمة. الفوز بالسعفة الذهبية يعني الدخول إلى بُعد آخر، مسؤولية كبيرة تنتظر صانعي الأفلام الجزائريين في المستقبل.
لكن هذا الإرث، رغم ثقله، هو فرصة وأمل. محمد لخضر حمينة هو منارة للمخرجين الجزائريين الشباب، مصدر إلهام دائم. ولهذا السبب يحمل المعهد الأول للسينما في الجزائر اسمه. من خلال هذا التكريم، نأمل أن يستمد صانعو الأفلام القادمون إلهامهم من جذورهم المحلية، من تاريخ الجزائر ومناظرها الطبيعية، لخلق أعمال عالمية، على غرار ما قدمه حمينة.
إرث محمد الأخضر حمينة لا يكمن فقط في السعفة الذهبية التاريخية، بل في الإلهام الذي يقدمه باستمرار. سينماه، المتجذرة في الواقع المحلي، تتجاوز الحدود لتصبح عالمية. وكما أن الصحراء التي يصورها في أفلامه تستمر في الهمس طويلاً بعد أن تذروها الرياح، كذلك تستمر أعماله في الرنين في قلوب محبي السينما.