كلاسيكيات وهران : النسخة المرممة لفيلم “المخدوعون” للمخرج المصري توفيق صالح
محمد عبيدو
عرض مهرجان وهران ضمن كلاسيكياته، أمس الثلاثاء، النسخة المرممة للفيلم السوري “المخدوعون” الذي أخرجه المصري توفيق صالح عن رواية غسان كنفاني، أول الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية بوعي عميق ونظرة شاملة، في عرض فني لا ينقصه الوضوح، وبعيد عن أية محاولات تجارية أو انتقالية شكلية، حصل على عدد من الجوائز العالمية تقديرا لقيمته التي مازال يحتفظ بها حتى الآن، فالنظرة الموضوعية التي اتسم بها بحثه في جوانب القضية، وكشفه عن الأسباب والنتائج وطرح الأسئلة الجوهرية عن المشكلة.
كل ذلك يجعل الفيلم، بالإضافة إلى قيمته التاريخية، قيمة حية حتى الآن، قادرة على تنوير وعي الإنسان العربي بذاته وقضيته المصيرية.
يحكي “المخدوعون” قصة الدوافع الخاصة لدى ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة تؤدي بهم الظروف إلى محاولة دخول الكويت خلسة، فيخبئهم سائق يمتهن التهريب داخل صهريج المياه المفرغ في سيارته، فيلقون حتفهم في النهاية، لتأخر السائق في إنجاز تعاملاته في مخفر الحدود الكويتية، ويلقي بهم في مكان ما في الصحراء، ويتابع طريقه في ذهول.
ومن خلال العلاقات الثلاثية التي يحدد مسارها “أبو قيس وأسعد ومروان” مع الناس الذين يحيطون بهم وتتمازج في خطوط دقيقة ومتوازية، يحدد لنا توفيق صالح الخط العام الرئيسي للفيلم الذي يشرح لنا، من خلال تحليله نماذج أبطاله الثلاثة، الواقع الفلسطيني عبر مشاهد “الفلاش باك” التي تتداعى في ذكريات كل منهم.
الذي قرأ رواية “رجال تحت الشمس” لغسان كنفاني يجد أن أحداث فيلم “المخدوعون” تطابقها تمام المطابقة..، فلقد حافظ توفيق صالح على النص الروائي كما هو وبتسلسل أحداثه، لكن الرجلان اختلفا مرتين:
النهاية عند كنفاني تسير كما يلي: عندما يلقي السائق بالجثث فوق أكوام القمامة يتوقف أمام سيارته متشنجا يوشك رأسه أن ينفجر من فكرة مفزعة سيطرت عليه “لماذا لم يدقوا الخزان؟! ولم يقرعوا الخزان”؟ لقد مات أبطاله خانعين في صمت، دون أن يدقوا الخزان، وهو يريد بهذه النهاية أن يرمز إلى أن الفلسطينيين الذين كان عليهم أن يملؤوا الدنيا قرعا بدلا من أن يدعوا أنفسهم يموتون في صمت.
أما النهاية عند توفيق صالح فهي مرئية “سينمائية خالصة”، إذ نرى الثلاثة وسط القمامة، بينما يد أبي قيس متصلبة ومرفوعة إلى أعلى مهيأة لحمل شيء، قد يكون راية أو مدفعا رشاشا، وقد تكون القبضة متكورة في صرخة احتجاج صامت.
كما أن توفيق صالح، على عكس غسان كنفاني، جعل أبطاله يدقون على صاج الخزان عندما طال بهم الوقوف أمام الجمارك الكويتي، لكن طرقاتهم الواهنة ضاعت وسط الصخب، فلم يشعر بهم أحد. ولكن في كلا النهايتين الهدف واحد، وهو أن الهرب لا يحل المشكلة.
أما الاختلاف الثاني بين الرواية والفيلم فهو تلك الإضافة التسجيلية التي أضافها توفيق صالح وجاءت في مكانها لتؤدي الغرض منها وتثري الفيلم ببعد جديد.
استطاع توفيق صالح بما لديه من قدرات جيدة في الصنعة السينمائية أن يقدم لنا فيلما ملتزما وواقعيا واضحا، بالرغم من الازدواجية في أسلوبه، خلال عرضه السرد الدرامي. فمرة يستخدم الواقعية استخداما مباشرا قاده في النهاية إلى استخدام الوثائقية، ومرة يلجأ إلى الرمز ليصوغ من خلاله تعبيرا دراميا إيحائيا قويا ومعبرا.
الذي قرأ رواية “رجال تحت الشمس” لغسان كنفاني يجد أن أحداث فيلم “المخدوعون” تطابقها تمام المطابقة..، فلقد حافظ توفيق صالح على النص الروائي كما هو وبتسلسل أحداثه، لكن الرجلان اختلفا مرتين: