عودة إلى “من مسافة صفر” أفلام تحت القصف لكنها جيدة
أن تكون إنسانا حديثا، هو أن تبحث عن عقار لما أفسده الزمن | سيـوران
حكيم محمدي
في تجربة أفلام “من المسافة صفر” يجد المشهرواي عقارا لما أفسده الاحتلال الصهيوني من خلال مجموعة من الشباب يحملون سلاحا خطيرا يقاومون به، سلاح تسقط أمامه كل القوى، سوى أنه سلاح من غير عيارات ولا بارود.. هذا السلاح هو الكاميرا، بحجمها وشكلها المثير للسخرية وهي على الكتف، الكتف الفلسطيني الذي لا يمل من حمل النعوش كما كتب محمود درويش..
“من حق الفلسطينيين أن يسردوا قصصهم” من هنا انطلقت تجربة تصوير أفلام “من المسافة صفر” التي بدت يوم الاعلان عنها أنها محاولة رمزية لصنع فيلم، لكن المفاجئ أنها كانت أفلاما جيدة تقنيا، خصوصا من ناحية جودة التصوير واستعمال الكادرات وتسجيل الصوت الذي كان واضحا، التفكير في نجاح هذه المهمة يبدو مستحيلا، لكن يجد المشهرواي وفريقه طريقة لتفادي أحد أكبر المشاكل التي تواجه صنع فيلم..
“على الأقل إيصال هذا الصوت الى العالم”… كان شعار الراحلة شيرين أبو عاقلة وعلى خطاها سار هؤلاء المخرجون، رغم القصف والعصف، رغم كل المخاطر نقلوا للعالم واقع فلسطين، وفي ظل كل العراقيل التي يفرضها الكيان استطاعت الكاميرا أن تتجاوزها، وتروي حكاية الأرض الحزينة… فلسطين!
من ناحية نقدية بدت الأعمال متشابهة مع اختلافات طفيفة في الموضوع، إذ ركزت على آثار الحرب واليومي والجرح الفلسطيني، وكلها تعود إلى الذات ولم تبادر إلى طرق موضوع الحرب وأسبابها وظروفها ورؤية الفلسطيني لها، وبذلك بدت من ناحية الموضوع استعطافية وانهزامية أكثر منها مقاومة..
سردت هذه الأفلام بطريقة الربورتاج المصور واستعمال صوت الراوي. يبدو ذلك خيارا موضوعيا بسبب ظروف الحروب، وقدمت من ناحية إنسانية تجربة الفرد وضعفه في الحرب التي تمثل أقسى تجل لوحشية البشرية. كما أنها، وخروجا عن المألوف في أفلام الأزمات، كانت من دون رصاص ولا دماء ولا تفجيرات.
هذه الأفلام تجعل المتفرج أمام حقيقة قاسية تفيد بانعدام قيمة الفرد ووصولها للحضيض، إذ يناقش مصير الشعوب ويقرر في لحظات وبجرات قلم، ثم تتكفل الآليات الحربية بسحقه في صمت وتواطئ.. حقيقة تذكرنا بمقولة ساخرة لغوستاف فلوبير: تولد وتموت بورقة!