صالح أوقروت.. أضحك الجزائريين في أوج الإرهاب

الضحك، أيضا، وسيلة من وسائل المقاومة حتى لا تأكل الظلمة ما بداخلنا من الضوء، وإذا كان الفنان الراحل محمد التوري ابن مدينة البليدة أيضا (1914-1959) قد أضحك الجزائريين في أوج الظلم الاستعماري، فقد أضحك الفنان صالح أوقروت الجزائريين في أوج ظلام الإرهاب.
حين عرف المشاهد الجزائري وجه صالح أوقروت كانت الجزائر قد قطعت صلتها بالشاشة الكبيرة منذ مدة، فقاعات السينما تحولت من وصاية وزارة الثقافة إلى وصاية البلديات التي أجرتها للخواص، وتحولت من الفيلم إلى نظام “باركو” الذي يبث صورة “فيديو”، ثم أغلقت قاعات وحولت أخرى إلى قاعات حفلات، وما تبقى منها أجهز عليه رؤساء “البلديات الإسلامية” التابعة لـ “الفيس”، ثم دخلت البلاد في دوامة الإرهاب.
أمام هذا الظلام، لم يكن أمام الجزائريين من نافذة مضيئة للحلم وللضحك سوى الشاشة الصغيرة، ومن هذه الشاشة الصغيرة أعطى الفنان صالح أوقروت للجزائريين فسحة للضحك للنسيان، والضحك للنقد، والضحك للبكاء، في وقت كان بإمكانه، وهو المولود بفرنسا، أن يغادر وينجو بنفسه مثلما فعل فنانون كثر.
بالصدفة، يتعرف المخرج محمد أوقاسي على صالح أوقروت هذا الشاب الذي كان يقلد المفتش الطاهر (الحاج عبد الرحمن) و”شارلي شابلن” و”بيتر سيلر”، وهو يقدم نشاطات للأطفال في مخيم صيفي لأبناء عمال الإذاعة والتلفزيون بشاطئ “الجزيرات الثلاثة” بالحمدانية، فأعجب به واقترح عليه التمثيل في الفيلم التلفزيوني “كرنفال في دشرة”،.
بدأ تصوير “كرنفال في دشرة”، في بوسعادة، في سنة 1993، وأسند لصالح أوقروت دور ثانوي “الحاج ابراهيم” الداهية السياسي الذي يتآمر من خلف الستار. كان الفيلم محملا حد التخمة بالرسائل السياسية الواضحة المباشرة المنتقدة للوضع في مرحلة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، فكان النجاح حليفه لتيمته، مثلما كان النجاح حليف صالح أوقروت ومعه عثمان عريوات اللذين نجحا في إضحاك الجزائريين على فترة من حياة الجزائر كان يضحك فيها عليهم، كانت الكوميديا تمثيل واقعي لوضع كاريكاتوري عاشته البلاد.
يروي الفنان صالح أوقروت، في إحدى اللقاءات التلفزيونية: “كنا في بسكرة، بدأنا التصوير، وفي ذلك الوقت كان الجزائريون تحت حظر التجول، وكان من المفروض أن تكون هناك ممثلة للقيام بدور المنجمة (الشوافة)، وطال انتظار قدومها. كان الجو حارا، وكان لابد أن ننهي العمل الذي طال، فاقترحت القيام بالدور. ومن يدقق في دور في هذا الدور النسوي الثانوي الثاني الذي أداه صالح أوقروت، يتبادر إلى ذهنه الأدوار النسوية التي كان يؤديها ابن مدينته الفنان الراحل محمد التوري.
وإذا كانت الشاشة قد أهدتنا وجها تلفزيونيا رائعا في قامة صالح أوقروت، فإنها في الوقت ذاته حرمتنا من وجه سينمائي كان بإمكانه أن يبتلع الشاشة الكبيرة.
الذي يشاهد صالح أوقروت في دور التلميذ، في سكاتش تلفزيوني إلى جانب الممثل كمال بوعكاز، ثم في دور المجنون “حسيسن” في فيلم “مال وطني” للمخرجة فاطمة بلحاج (2007)، يدرك تلك القدرة الكبيرة التي يمتلكها صالح أوقروت على الغوص في أدغال طفولته البريئة ويستحضر كل الأطفال الذين عرفهم يكي ينحت دور الطفل ويتقمصه، بل ويعيشه، وتحصل لديه قناعة أن الشاشة الكبيرة خسرت فنانا سنيمائيا كبيرا في أدوار بعيدة عن الكوميديا، أدوار تشبه دور الشاب “رامون بابيت” المصاب بالتوحد الذي أداه ببراعة كبيرة الفنان ديستين هوفمان في فيلم (رجل المطر) “Rain Man” (1988) للمخرج باري لوفينسون، إلى جانب توم كروز.
لم تتح للفان الفرصة التي أتيحت لرفيقه في فيلم “كرنفال في دشرة” (1994) عثمان عريوات “أستاذه وولي نعمته” الذي وجد في فيلم “بوعمامة” فرصة وشرفة أبان فيها على قدرة عجيبة في تقمص دور جاد بعيد كل البعد عن الضحك، ويثبت أن الذي يضحك الناس سهل عليه إبكاءهم.
يرى صالح أوقروت أن “الجمهور الجزائري صعب تضحكه، وحتى تضحكه عليك أن تكون قريبا منه”، بمعنى أن تسبر أغوار نفسيته وأن تقدم له نفسه بكل تناقضاتها.
يؤكد صالح أوقروت أن “ليس هناك دورا أداه قريب من شخصيته، فهو ممثل، والممثل يمثل، ولكن الشخصيات التي أداها كان لها مثيل في شخصيات كانت له معها علاقة في الحياة، تقمص أدوارا من أناس عرفهم أو احتك بهم”، لذلك حين نشاهد الشخصيات التي تقمصها الفنان صالح أوقروت من “السي ابراهيم” إلى “عاشور العاشر” تتبادر إلينا شخصيات نعرفها في شكلها الواقعي الكاريكاتوري المضحك.
مهدي براشد