“زينات: الجزائر، السعادة” | رحلة سينمائية لاستعادة إرث محمد زينات في مهرجان وهران

خليل الأوراسي
في عالم السينما الجزائرية، يظل اسم محمد زينات مرادفًا للإبداع الفني الملتزم والواقعي. فيلم “زينات: الجزائر، السعادة” للمخرج محمد لطرش، الذي عُرض في الطبعة الثانية عشرة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، يعتبر تكريمًا لهذا المخرج الكبير، وتجسيدًا لرغبة لطرش في إعادة إحياء إرث زينات الفني. الفيلم الوثائقي ليس فقط رحلة في البحث عن فيلم “تحيا يا ديدو”، العمل الوحيد الذي أخرجه زينات، بل هوأيضًا استكشاف لمسار حياته كمناضل ومخرج وممثل ترك بصمته في السينما الجزائرية والعربية.
أين رضوان الصغير ؟
يروي محمد لطرش في فيلمه “زينات: الجزائر، السعادة” رحلته في البحث عن فيلم “تحيا يا ديدو”، وهوالفيلم الوحيد الذي أخرجه زينات في عام 1971، والذي يمثل مرآة عاكسة لشخصية زينات الفنية. هذا الفيلم، الذي يعكس جماليات حي القصبة العريق في الجزائر العاصمة بعد الاستقلال، يجمع بين الواقعية والشاعرية في تناوله لحياة الجزائريين في ذلك الوقت.
لكن الفيلم لا يتوقف عند البحث عن الفيلم فقط، بل يغوص أعمق في البحث عن الجانب الإنساني لزينات من خلال شخصية رضوان الصغير، الذي لعب دوره ابن أخت زينات في فيلم “تحيا يا ديدو”. هنا، يتمكن لطرش من خلق توازٍ بين رحلة البحث عن فيلم تاريخي وبين رحلة البحث عن من ابن أخت محمد زينات الذي ادى شخصية رضوان الصغير
محمد زينات: أيقونة السينما الجزائرية
محمد زينات (1932-1995) يعد واحدًا من أهم المخرجين في تاريخ السينما الجزائرية. بدأ زينات مسيرته الفنية كممثل مسرحي، قبل أن يدخل عالم السينما كمساعد مخرج في أفلام عالمية مثل “أيادي طليقة” (1964) لجيلوبونتيكورفوو”معركة الجزائر” (1966)، العمل الذي ساهم في تعزيز مكانته في السينما الجزائرية والدولية. انتقل زينات بعد ذلك للتمثيل في عدة أفلام بارزة، وقدم رؤية فنية غنية عن الثقافة الجزائرية، متأثرًا بنضاله وتجربته الشخصية.
“تحيا يا ديدو”: قصيدة حب لمدينة القصبة
في فيلمه الوحيد “تحيا يا ديدو”، قدم زينات قصيدة سينمائية تعكس حال حي القصبة بعد الاستقلال. الفيلم استخدم عناصر ثقافية جزائرية مثل الفانتازيا، الحايك، والفرقة النحاسية، لخلق مزيج فني بين الوثائقية والسرد الروائي. وقد تميز العمل بمشهد شاعرية لا تزال محفورة في الذاكرة، حين يخاطب الشاعر حيمود براهيمي، المعروف بـ”مومو”، المدينة من البحر في لحظة شاعرية رائعة.
“تحيا يا ديدو” هوعمل يمثل ليس فقط تاريخ القصبة، ولكن أيضًا انعكاسًا لروح زينات نفسه، وهومزيج من الشاعرية والفن الواقعي، مما جعله أحد أبرز أفلام السينما الجزائرية.
الفيلم الوثائقي: تكريم ووفاء
في “زينات: الجزائر، السعادة”، يكرّم محمد لطرش زينات من خلال ربط ماضيه وحاضره، ويسعى إلى إحياء إرثه عبر البحث عن النسخة المرممة من فيلم “تحيا يا ديدو”. وفي الوقت الذي ينتهي فيه الفيلم على شعور بالحسرة لعدم تحقيق حلم المخرج في عرض هذه النسخة المرممة، تأتي اللحظة المفاجئة في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، حيث أعلن لطرش عن عرض قريب للنسخة المرممة من “تحيا يا ديدو”، مما أضاف بعدًا غير متوقع للنهاية.
مهرجان وهران: نهاية ثانية للفيلم
عرض الفيلم الوثائقي في صالة السينيماتك بوهران بمناسبة الطبعة الثانية عشرة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي لم يكن مجرد حدث عادي. فاللحظة التي أعلن فيها محمد لطرش أن النسخة المرممة من “تحيا يا ديدو” ستُعرض ضمن فعاليات المهرجان جعلت الجمهور يعيش لحظة تاريخية، وكأن للفيلم نهايتين؛ نهاية سردها الوثائقي عندما لم يتمكن لطرش من تحقيق أمنيته بعرض النسخة المرممة، والنهاية الجديدة التي فاجأ بها المخرج الجمهور.
هذا التغير غير المتوقع في الأحداث يجعل من مهرجان وهران علامة فارقة في تاريخ “تحيا يا ديدو”، إذ منح الفيلم حياة جديدة وفرصة أخرى لمشاهدته واستعادة إرث محمد زينات فقيد السينما الجزائرية والعربية.