خلف الستار … تختبء ذاكرة السينما …

حكيم محمدي
يعود المخرج الجزائري محمد لطرش في فلمه الوثائقي “بوجمعة ودار السينما بقاعة السعادة ( كوليزي سابقا ) في إطار كلاسيكيات وهران ، لينجز فلما سيريا عن شخصية لاتتصدر المشهد السبنمائي وإنما شخصية من خلف الستار ، عمي بوجمعة هو ذاكرة السينما من خلال عمله يسينماتيك الجزائر ، حيث يسرد في هذا الوثائقي ذكريات بعيدة وقصصا وأحداثا متفرقة وشخصيات مهمة التقى بها ، كما يسرد بحنين عروض الافلام لأول مرة متذكرا ماعلق بذاكرته من فلم محمد زينات ” تحيا ياديدو ” الذي يعتبر فلما فارقا في السينما الجزائرية ..
عمي بوجمعة الذي قال : لاأريد أن أتحدث السينما ، لكنه وفي غفلة منه يسترسل مستعينا بذاكرته ويعود بنا لمراحل مهمة في تاريخ البلاد ، يغرق في الحديث عن المشاعر والنقاش والخوف الذي سيطر على المثقفين والسينمائيين في فترة العشرية السوداء التي أصبحت فيها السينما مهددة من طرف المتطرفين الذين ساهموا في غلق عدد كبير جدا من قاعات السينما ..
لاينسى سرد اللحظات الطريفة مع السينمائيين من خلال احتكاكه الدائم به ، يتذكر تفاصيلا بسيطة كأن ذاكرته هي أرشيف السينما الذي لن يكتب أبدا ، ولهذا اختار محمد لطرش أرشفة هذه الحوادث والحكايات التي تبدو هامشية لكنها من خلال هذا الفلم تغدو تأريخا لذاكرتنا كسينمائيين وكمثقفين وكسينفليين ..
للوهلة الأولى يبدو الفلم بورتريه عن شخصية بوجمعة لكن مع توالي دقائق الفلم نكتشف أنه في الحقيقة بورتريه للسينما الجزائرية واحتفاء بالذاكرة وترميم للشرخ الذي يحدثه عدم التوثيق ..
الحديث عن بوجمعة يفتح الباب للحديث عن تاريخ وحاضر السينما الجزائرية والسينماتيك بصفة خاصة التي شهدت انحدارا شديدا وفقدت جمهورها ، ولعل أهم تجلي لهدا الحديث كان نهاية بوجمعة الحزينة الذي خرج من الباب ضيق من المؤسسة التي أمد لها الكثير ، لكنه بخلاف هذا كسب محبة من داخل البلاد وخارجها .
تقنيا يواصل محمد لطرش الإبهار بالكادرات السينمائية كما تعودنا أفلامه ، غير أنه في هذا الفلم استعمل كثيرا المقاطع المطولة التي يختار فيها كادر واحد مما أبطئ ريتم الفلم الذي اعتمد بشكل مكثف على مايقوله بوجمعة للدرجة التي بدأ فيها كأنه مقابلة صحفية تلفزيونية ، لكنه يرى أنها خيار ضد الخوف من المتفرج ، وذلك صحيح بالمرة ومعروف عن محمد لطرش تمرده في أفلامه ففي النهاية بوجمعة في سنوات متقدمة من عمره وبحاجة للكلام وكل ماعلينا سوى أن نصغي إليه ..
من ناحية أخرى لم يوجه المخرج بطله للحديث عن مواضيع دون غيرها ، بل فتح عدسة الكاميرا وترك له الحرية الكاملة في الحديث عن مايريده دون أن يقاطعه أو يتدخل في مجرى الحديث ..
الفلم كلاسيكي من حيث موضوعه وشجاع في فتحه الباب لهذه الشخصيات التي غيبت بقصد أو غير قصد ، هذا الفلم مهم من نواحي فنية وتأريخية وإنسانية وثقافية وليس بورتريه للمشاهدة في أوقات الفراغ ..