#آخر الأخبار #أخبار المهرجان

المخرج كوستا غافراس والمنتجة ميشيل راي غافراس.. لولا الجزائر لما كان هناك Z

سينمانا: يحتفي مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في دورته الثانية عشرة، بمساركم الحافل في صناعة الأفلام، والمعروف على وجه الخصوص بالالتزام، كيف تنظران اليوم إلى هذه الرحلة الطويلة التي قطعتماها معا؟

كوستا غافراس وميشيل راي: مثل جميع الأزواج المنخرطين في الحياة المهنية والعائلية ننظر إليها بشكل متقلب، ولكن نقف دائما أمام الأمور الإيجابية، لدينا ثلاثة أبناء، وثمانية أحفاد وثلاث حفيدات صغيرات من هؤلاء الأحفاد. وقد نجحوا جميعًا في حياتهم العائلية والمهنية. استطعنا تكوين عائلة مرتبطة جدا ببعضها البعض، وأصبحنا قبيلة حقيقية.

نعتبر، أيضًا، أن هذا لم يكن مسارا مهنيا بقدر ما كان سلسلة من إنجاز الأفلام التي يمكننا أن نفخر بها اليوم. كل الأفلام التي أخرجت والأفلام التي أنتجت لم يكن من السهل تنفيذها، ولكن كنا دائمًا نتم ما كنا نعمل عليه بشغف.

الشغف بالمواضيع والشغف أثناء العمل، وهذه الأفلام كالأطفال، تعيش معنا طوال حياتنا.

لقد عملنا مع شركاء من حولنا كان لديهم القدر نفسه من الشغف. لم يكن ذلك بمثابة الذهاب “كسائح” إلى أمريكا اللاتينية أو الجزائر أو فلسطين أو رومانيا أو أي مكان آخر.. لقد كان العمل في الميدان على أرض الواقع وبالتعاون الوثيق مع فرق محلية تحمل الحماس نفسه.

نعم، إذا نظرنا إلى الوراء، وهو أمر نادراً ما نفعله، لأننا في الغالب ننظر إلى الحاضر والغد، يمكننا أن ننظر إلى التقدم الذي أحرزناه بفخر جميل.

  • قررتما عقد قرانكما في عام 1968، في الجزائر العاصمة مدينة القلب، أثناء تصوير فيلم “Z الحائز على جائزة الأوسكار. أية ذكرى تحتفظان بها عن هذا الحدث، وعن آمالكما وطموحاتكما آنذاك؟

تزوجنا في القنصلية بالجزائر العاصمة: كان جاك بيرين شاهد كوستا، وباتريشيا شويندورفر شاهدتي. وكان معنا ابني الأكبر باتريك (من الزواج الأول) الذي كان يبلغ من العمر 12 عامًا آنذاك، وتبناه كوستا لاحقًا.

كان كوستا مشغولاً بالتصوير، ولأول مرة تابعت التصوير عن قرب، يوميا، مع ممثلين وتقنيين ملتزمين للغاية، فرنسيين وجزائريين، في أول إنتاج مشترك هام للجزائر. نتذكر الأمل في السينما في الجزائر المستقلة، كان قد مر ست سنوات فقط على الاستقلال. كان الشريف بلقاسم الصديق القريب، وعبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية أنداك، ألقى خطاباً ملتهباً أمام الأمم المتحدة… جميعهم، مثل الجزائر، كانوا شبابا للغاية، مثلنا أيضًا.

لكن بعيدًا عن السياق، التزامنا المتبادل نشأ قبل الزواج الرسمي، التقينا في عام 1963. كان كوستا مساعدًا للمخرج، وكنت لا أزال عارضة أزياء في دار كوكو شانيل وصحفية طموحة.

كانت الفترة بين عام 1963 وسنة الزواج، بالنسبة إلي، حافلة بالعمل داخل المنظمة التي أطلقت فيها الرحلة إلى تييرا ديل فويغو في جبال ألاسكا على متن سيارات “4L”، وسافرت إلى فيتنام حيث تعرفت عن كثب على ما كان يسمى بشكل سلبي “فيت كونغ”، أي الفيتنامية الشيوعية، فكانت واحدة من أقوى فترات حياتي. ثم كانت هناك رحلاتي إلى أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط…

خلال هذه الفترة نفسها، كان كوستا قد أخرج أول فيلمين له “Compartiment tueurs “، و”Un homme de trop”،  وفي كل مرة كنت أعود من سفري، كان كوستا في انتظاري في المطار، رفقة ابني باتريك.

لذا، نعم، نحن لا نحتفظ من الزواج بذكرى العهود أو الطموحات، لأنه طالما كانت لدينا ونحملها معنا يوميًا، بل بذكرى رقيقة جدًا، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالجزائر العاصمة، الجزائر التي ندين لها بالكثيرـ لأنه لولا الجزائر لما كان هناك ” Z”. لقد قال الرئيس بومدين لمحمد الأخضر حمينة آنذاك: ​​”قصة عن عقداء؟ العقداء في (Z ) فاشيون، أما نحن فثوار” وانفجر ضاحكا.

لقد قدمتم لعالم السينما أعمالا لم تفقد، رغم مرور الزمن، شيئا من ألقها، وتظل أعمالا كبرى ومثيرة للجدل، ومع ذلك، كنتم تواجهون دائمًا صعوبات في دعمها من صناديق التمويل ومؤسساته. كيف تظل السينما رهينة السياسة في اعتقادكم؟

صحيح أن السينما يمكن أن تكون رهينة السياسة، ولكن مما لا شك فيه أن هذا الأمر واقعي أكثر في بلد مثل الجزائر، أكثر من بلدنا.

“السياسة” في فرنسا، منذ عهد ديغول، هي التركيز على دعم سينما وطنية ومستقلة، وهوما كان يعني ولا يزال يعني الاستقلال عن السينما الأمريكية المهيمنة، ولكنه يعني أيضًا توفير الوسائل اللازمة لوجود هذه السينما المستقلة.

وكان “CNC” (المركز الوطني للسينما)، ولا يزال، إحدى الوسائل، وإحدى الدعائم لوجود هذه السينما المستقلة. وحتى لو كانت هناك تقلبات، فإن علاقة السينما بالسياسة، سواء اليمينية أو اليسارية، كانت دائما لصالح هذه السينما المستقلة، بالإرادة والعمل اليومي لجمعيات صانعي الأفلام وجمعيات المؤلفين والنقابات التي ناضلت دائمًا لكسب هذه المعركة مع السلطة السياسية.

لكن بعيدًا عن “السياسة” هناك “الرغبة” و”الآمال المالية”، و”ذاتية” الجهات الفاعلة في صنع القرار، والموزعين والقنوات التلفزيونية، والمنصات، واللجان العامة المختلفة التي تتخذ القرارات في تخصيص الدعم.

بما أننا كنا نتحدث عن “z”. حصل الفيلم على موافقة التسبيق على الإيرادات من “CNC”، لكن جميع الموزعين رفضوا دعمه،  ليس لما يعتبر أسباب سياسية، بل لأن هذا الموضوع في اعتقادهم لن يثير اهتمام الجمهور، ولأن السيناريو ثرثار أكثر من اللازم، وذرائع أخرى.

وإلى يومنا هذا، غالبا ما تكون حداثة السيناريو، إما بالموضوع الذي يتناوله، أو بالشكل، أوكليهما، هي التي يمكن أن تمنع تمويل الفيلم، لأن “صناع القرار” يرجعون إلى النظام القائم وإلى رؤيتهم لما ينبغي أن يكون عليه الفيلم. لكن الفيلم ليس مجرد أي منتوج، إنه عمل، عمل شخصي مع حرية صانعه.

  • هل السينما عمل سياسي بالنسبة إليك؟

في نيس، بعد الحرب، في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، كان والداي يرافقانني أنا وأخي إلى السينما معهم. لقد شاهدنا أفلام إستير ويليامز وطريقة الحياة الأمريكية، بدل مشاهدة بكرة الشعر الملتوية، أو ورقة ذابلة على العشب… ولكن أيضًا فيلم “سارق الدراجات”، و”Don Camillo”. شاهدنا أفلام بيير فريسني أفلام والدتي المفضلة… وبالفعل، حتى لو لم أستوعب ذلك بعد، كنت أدرك بشكل غامض أن جميع الأفلام كانت سياسية.

  • أخبرنا المنتجان البرازيليان العظماء، الصديقان لويس كارلوس ولوسي باريتو: “عندما ننظر في المرآة، يجب أن نرى أنفسنا، وليس ميكي أورامبو”.

قررت كوريا الجنوبية منذ سنوات أن يكون لديها سينما وطنية. استنسخت نموذجها على نظام “CNC”، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فأسسوا نظام الحصص لصالح الأفلام الوطنية. وبالتالي تخفيض حصة الأفلام الأمريكية. والنتيجة أن ازدهرت السينما الوطنية وبرز صانعو الأفلام الكوريون الموهوبون في جميع المهرجانات الدولية. المواهب موجودة في كل مكان، ولكن، مثل كل النباتات، يجب سقيها حتى تزهر. الجزائر أيضًا شهدت هذه الفترة الرائعة من السينما الوطنية بعد وقت قصير من الاستقلال.

هل السينما عمل سياسي بالنسبة إلينا؟ عندما ننتج ونصنع أفلامًا مثل “Missing” و”State of Siege” و”The Devil’s Right Hand “، “Z”، “AMEN” أو حتى “Hanna K”، فبالطبع هذه تسمى أفلامًا سياسية. لكن “عمل لسياسي” لا أعتقد ذلك.

  • تستقبل مدينة وهران مخرجين وأفلاما من العالم العربي. ما هو رأيك في تطور السينما في هذه المنطقة من العالم، خاصة وأنك دعمت عددا مهما من المخرجين، خاصة الجزائريين؟

أبدأ بالمخرج مهدي شارف. أنتجت فيلمه الأول “الشاي في حريم أرخميدس”، فيلم رائع، تمر الذكرى الأربعين هذا الخريف على تصوير هذا الفيلم الذي صدر في أفريل 1985. في ذلك الوقت، كانت الضواحي مازال، إن صح القول، “ممكن إنقاذها”، لكن ذلك كان يتطلب إرادة سياسية قوية هائلة، إذ تمكنت أول مسيرة للمغتربين إلى باريس قبل عام واحد فقط.

أنتجنا كذلك بعض الأفلام في الجزائر، من بينها “Cartouches Gauloises” لمهدي شارف، يروي فيها طفولته في الجزائر. في مارنيا قبل الاستقلال. أفلام أخرى مثل فيلم “مون كولونيل” للمخرج لوران هربيت الذي صور في نهاية العقد المظلم للعشرية السوداء.

أنتجنا كذلك فيلما عن هذه الفترة المظلمة “الآن يمكنهم المجيء” لسالم إبراهيمي، وكذلك فيلما للمخرجة ريحانة أوبرماير “في سني ما زلت أختبئ لأدخن”، هذا الفيلم صورت مشاهد الحمام الداخلية في سالونيك، لاستحالة تصويرها في الجزائر العاصمة .

ومع ذلك، لم يعرض أي من هذين الفيلمين في الجزائر، على الرغم من أن الجزائر شاركت في إنتاجهما.

أما عن تطور السينما، فماذا يمكنني أن أقول؟ ربما مازالت عالقة بين المطرقة والسندان؟ المطرقة أن تطور الأسواق الوطنية ضعيف – باستثناء مصر وتونس والمغرب أو الأردن، ومؤخرًا مثل المملكة العربية السعودية التي لا تسمح بتمويل الأفلام الوطنية باللغة العربية. لا ننسى وجود الرقباء أيضا. أما السندان فهو سنداد الإنتاج المشترك: حتى لوكان أداة رائعة، فإنه ينطوي بالضرورة على تنازلات بشأن خيارات اللغة والإنتاج.

 

  • في الوقت الذي نشهد فيه صراعات مأساوية تدمي هذه المنطقة، كيف يمكننا تفسير عالمنا من خلال عيون كوستا جافراس؟

أقترح مشاهدة فيلم Hannah K مرة أخرى.

  • يتغير عالم السينما أيضًا مع انفجار منصات البث المباشر. كيف يمكن للفيلم السياسي أن يتطور مع هذا العالم؟

ليس فقط الفيلم السياسي. السينما بشكل عام. السينما مقابل المسلسلات. كما هي الحال دائمًا، نحن نكافح بشكل جماعي للحفاظ على السينما حية.

  • هل هناك من نصيحة للمنتجين وصانعي الأفلام اليوم الذين يواجهون أيضًا تحديات متعددة في إنتاج أعمالهم؟

نحن في وهران، لذلك نحن نتحدث عن السينما الجزائرية. لقد شاركت بفعالية في توقيع اتفاقيات الإنتاج المشترك بين الجزائر وفرنسا، وفي عام 2007 كنت حاضرة مع فيرونيك كايلا، رئيسة “CNC” آنذاك، أثناء التوقيع الرسمي على الاتفاقيات، في 4 ديسمبر.

صدر قانون جديد للسينما الجزائرية بداية العام… فيه مواد قد تعرض المخرج والمنتج لخطر السجن إذا خالف هذا القانون. ربما علينا أن نغير هذا القانون ونأخذ نموذج السينما الكورية الذي تحدثت عنه سابقا، من أجل سينما وطنية، دون رقابة من أي نوع، ولكن برغبة شرسة في خلق هذه السينما الوطنية المستقلة، حتى لو كانت منتقدة.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *