الفيلم الوثائقي “لد” ذاكرة فلسطينية جريحة تحت الاحتلال

” لد الجميلة وحرب لا يعرف أحد نهايتها وهوية متلاشية تسأل هل سيظل وهما الرجوع إلى أرض الوطن أم أنني لن أعود أبدا؟ “
خير الدين بوشيخي
في فيلم “لد” الوثائقي، يفتح المخرجان رامي يونس وسارة أما فريدلاند نافذة على واقعٍ مظلم وجارح لواحدة من أقدم مدن فلسطين المحتلة. “لد” ليست مجرد مدينة، بل هي رمز لجرح لم يلتئم في ذاكرة الفلسطينيين الذين شردوا عن أرضهم قسرًا. هذا الفيلم يعيد تسليط الضوء على حكايات مؤلمة لأجيال متعاقبة من اللاجئين الذين لا تزال قلوبهم تنبض بالشوق للعودة إلى الوطن، وتحديداً إلى تلك البيوت التي لم تعد سوى ذكريات عالقة في ذاكرة الكبار، وحديثًا على ألسنة الأجداد لأحفادهم.
“لد” التي كانت يومًا عاصمة فلسطين تحولت إلى أرض يغمرها النسيان والإهمال بفعل الاحتلال الإسرائيلي الذي عمد إلى طمس معالم المدينة التاريخية والثقافية، كما فعل مع مدن فلسطينية أخرى. يتعرض الفيلم إلى مأساة محو الهوية الفلسطينية التي لم تتوقف عند حدود الجغرافيا فقط، بل امتدت لتشمل الذاكرة الجماعية للشعب. ومع مرور الأجيال، يجد الأطفال الفلسطينيون أنفسهم في حيرةٍ بين واقع الاحتلال والهوية المتلاشية، ولكن في هذا الفيلم يتضح أن هذه الهوية، رغم كل المحاولات لمحوها، ما زالت باقية وإن كان بريقها قد خفت.
تتجلى قوة الفيلم في سرده البسيط والمؤثر لشهادات العائلات الفلسطينية، حيث يتحدث الأجداد الذين هُجّروا من “لد” عن بيوتهم التي تركوها مجبرين، وعن الأمل الذي لم يفارقهم فی العودة يومًا ما. الفيلم ليس مجرد وثيقة تاريخية، بل هو مرآة تعكس الحنين الذي ما زال يسكن في قلوب اللاجئين الفلسطينيين. يتنقل الفيلم بين الماضي والحاضر، ليبرز كيف أن حب الوطن يسري في عروق الفلسطينيين على الرغم من كل القيود والعراقيل التي وضعها الاحتلال.
ينجح الفيلم أيضًا في إظهار المعاناة اليومية للأطفال الفلسطينيين الذين يكبرون بعيدا عن لد، بعيدًا عن وطنهم الحقيقي، ويتعلمون هويتهم من قصص الأجداد والأهل. هذا التعلم المتأخر للهوية هو بمثابة جدار يفصلهم عن فهم حقيقي لماضيهم، ولكنه في الوقت نفسه شعلة أمل بأن هذه الهوية لن تندثر، بل ستظل حية طالما استمر الأجداد في سرد قصصهم وأحلامهم لأحفادهم.
يأتي فيلم “لد” كدعوة للذاكرة، كتذكير دائم بأن الأرض والهوية لا يمكن نسيانهما مهما حاولت قوى الاحتلال أن تمحو آثارها.